الأوراق القديمة لمُحامٍ تحت التمرين

افتح صدرك؛ لتتلقى العديد من الأخبار السيئة والحكايات المفزعة..

هكذا كانت أيامي كلها حينما كنت أعمل في المحاماة، هذه المهنة التي لا تعترف بالأخبار الحسنة.. فقط أنت تقابل مجرمين ولصوص وتجار مخدرات، ولا بد أن تتعلم جيداً كيف تتعامل مع كل هذه الطوائف، اللذيذ في الأمر أنك لا تتعامل مع هؤلاء فقط، ولكنك أيضاً تتعامل مع القضاة والمستشارين ووكلاء النيابة والضباط.

إن الفانتازيا التي يحاول العديد من الكتاب اختلاقها في مقالاتهم أو قصصهم هي موجودة بالفعل في ساحات المحاكم؛ فيمكنك أن تتوقع رؤية أي شيء في أي وقت.. يمكنك أن ترى أحد المجرمين المحكوم عليهم بالمؤبد وهو يتجاذب أطراف الحديث مع زميله في القفص؛ ليقص له بعض الحكايات المسلية!! (ومش بعيد كمان يضربوا جوانين بانجو في القفص) أعتذر عن هذا الأسلوب البذيء.

لن أطيل في هذه المقدمات الفارغة، عفواً؛ فأنا لم أتعلم من المحاماة إلا صياغة الديباجة.. كانت البداية في إحدى قاعات المحاكم، ولأول مرة في حياتي أدخل محكمة، ومعي المحامي الذي أتدرب في مكتبه، فجأة نغزني أحدهم بجانبي:
هو في الرول كام يا أستاذ؟
(الرول يعني رقم القضية) قصده على القاضي.
معرفش.
وفجأة يهمس لي الأستاذ:
ما تقولش معرفش تاني؟!
ليه؟!
أنت محامي.. لازم تكون عارف كل حاجة.
يعني أخترع.
أيوه.. بس ما تقولش معرفش.
بس أنا فعلا معرفش.
بعدين.. اسكت؛ عشان القاضي دخل.
هو احنا عندنا إيه النهارده؟
أنت لسه جاي تسأل دلوقت؟
أمال أسأل إمتى؟
"ينظر لي في لامبالاة، ولا ينطق ببنت شفة".
يجلس أحد القضاة على المنصة، وبالطبع على جانبيه عضو اليمين واليسار "شبه الأفلام كده بالضبط"، وينادي الحاجب على أرقام القضايا:
القضية الأولى...

في أقل من نصف دقيقة تنتهي القضية الأولى، ويواصل الحاجب العدّ:
اتنين.. تلاتة.. أربعة.. خمسة.. ستة.. سبعة.. "القضية التامنة"
وجدتني أغرق ببحر من الذهول، وأسأل الأستاذ:
هو القضايا دي كلها أصحابها مش موجودين؟
لا.. موجودين.
أمال هو قَلَبهم ليه؟
تأجيل.
ليه؟؟
يعني عاوزه يحكم في أكتر من خمسمئة قضية في يوم واحد؟
هي قضيتنا رقم كام؟
450.
ياااااااااااه هانستنى كل ده؟
تعالى نخرج شوية من هنا، على ما نشرب الشاي هيكون دخل في الـ 400..
"ذهوووووووووووووووول"

نخرج من القاعة إلى غرفة المحامين؛ لأتعرف على العديد منهم من النوع الخناشيري (الخانشيري في اللغة هي من خنشور) من الآخر مافيش جنس ناعم إطلاقاً، كلهم يا إما جنس خنشور، يا إما جنس ناعم ومتنكر في هيئة جنس خنشور.

هرشت في رأسي، وأنا أتذكر الأيام الخوالي والجامعة وشلة الأنس، وسألت نفسي:
"هو أنا إيه اللي شغّلني الشغلانة المنيلة بستين نيلة دي".
اشرب الشاي خلينا نلحق القضية.
حاضر.
وأسارع في المشي؛ حتى لا تفوتني أول جلسة في حياتي:
إنت بتجري كده ليه؟.. بالراحة شوية..
عشان نلحق..
يا سيدي هي الدنيا هاتطير.. على مهلك.
في القاعة:
الحاجب يواصل العد (ما بيعملش حاجة غير العد):
650..
إيه ده قضيتنا فاتت..
طب يلاّ نمشي؟
نمشي إزاي؟ والقضية؟
إيه يعني.. هتتأجل..
لوحدها كده يعني؟!
أمال يعني هاروح أزقها.

ونخرج من القاعة لأجد إحدى التركيبات الأنثوية لأول مرة أمامي على باب القاعة، غريب هذا الأمر، هذه الفتاة الطاغية الأنوثة في قاعة المحكمة، وكمان شايلة الروب على دراعها؟ يعني محامية؟

بسم الله ما شاء الله استنتاج ذكي جدّاً.. بافهَمها وهي مزقزقة في الهوا،
المهم أنني تركت الأستاذ، واقتربت منها حينما سألتني:
لو سمحت هو في رول كام دلوقتي؟
عدى 650...
يااااه قضيتي كده عدت من زمان..
خلاص عادي تبقى اتأجلت..
بجد؟ معلش أصلي أول مرة أنزل.
لم أنتبه إلا لأحدهم ينغزني من كتفي؛ ليقول لي:
أنا قلت لك ما تقولش معرفش.. مش تسيبني ملطوع هنا بدوّر عليك وأنت واقف تـ........

ونظرت حولي لأجد جموعاً من الخناشير الذين لا يملون من تقطيع البنت المسكينة بأعينهم، والدعاء على الغلبان "اللي هو أنا" عشان باقطّع عليهم.

جميل والله يا مدحت احنا لسة هنشوف من دة كتــــــــــــيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

http://vb.roro44.com/163679.html
تسلم ياريس